يشهد العراق خلال السنوات الأخيرة تحولات ديموغرافية واقتصادية عميقة، انعكست بشكل مباشر على الطلب العقاري في المدن الكبرى.
من جهة، تستمر الهجرة الداخلية من المناطق الريفية إلى الحضر بحثًا عن فرص عمل وخدمات أفضل، ومن جهة أخرى، يتزايد عدد العراقيين العائدين من الخارج بعد سنوات من الاغتراب، ما خلق ضغطًا إضافيًا على سوق السكن.
1- الهجرة الداخلية: المدن تكبر والريف يفرغ
وفقًا لتقديرات لأنجاز، فإن الهجرة الداخلية من الريف إلى المدن تُعد من أهم العوامل التي غيّرت المشهد العقاري في العراق خلال العقد الأخير.
المدن الكبرى مثل بغداد، أربيل، والبصرة تشهد توسعًا سكانيًا متسارعًا، بينما تعاني المناطق الريفية من انخفاض مستمر في عدد السكان.
هذا التحول أدى إلى:
- ارتفاع الطلب على الشقق والمجمعات السكنية داخل المدن.
- زيادة الضغط على البنية التحتية والخدمات العامة.
- تحوّل مناطق الأطراف إلى ضواحٍ سكنية جديدة تستقبل الوافدين الجدد بأسعار أقل من قلب المدينة.
النتيجة: المدن تتوسع أفقيًا، والسوق العقاري يزداد نشاطًا في مشاريع البناء المتوسط والمنخفض الكلفة.
2- عودة المغتربين: طلب جديد بطابع مختلف
إلى جانب الهجرة الداخلية، تسهم عودة المغتربين العراقيين من الخارج في رفع الطلب العقاري، خصوصًا في الفئات المتوسطة والعالية.
العائدون غالبًا يبحثون عن:
- منازل حديثة التصميم ومجهزة بمواصفات عالية.
- مناطق آمنة وخدمات مستقرة تناسب أسلوب الحياة الذي اعتادوا عليه في الخارج.
- عقارات في أحياء راقية أو مشاريع مجمعات مغلقة مثل تلك المنتشرة في أربيل وبغداد الجديدة والمنصور.
هذا النوع من الطلب يدفع شركات التطوير العقاري إلى الاستثمار في المجمعات الحديثة والفيلات الفاخرة، ما يرفع الأسعار في المناطق المستهدفة.
3- النتيجة: ضغط متزايد وطلب متنوع
التقاء هذين العاملين، الهجرة الداخلية وعودة المغتربين يخلق مشهدًا معقدًا في السوق:
- فئة تبحث عن سكن ميسور في أطراف المدن.
- وفئة أخرى تبحث عن سكن راقٍ بمواصفات عالية.
النتيجة هي ارتفاع عام في الأسعار، ونقص حاد في الفئات السكنية المتوسطة، ما يزيد الحاجة إلى تخطيط حضري متوازن واستثمارات ذكية في القطاع العقاري.
4- اتجاهات مستقبلية
من المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في السنوات القادمة، خاصة مع:
- التحسن النسبي في الأمن والخدمات داخل بعض المحافظات.
- مشاريع الإسكان الحكومية والخاصة التي تحاول سد العجز السكني.
- اعتماد التسجيل العقاري الرقمي الذي يعزز ثقة المستثمرين والمغتربين في عمليات الشراء.
الخلاصة
العقار في العراق لم يعد مجرد بناء، بل أصبح مؤشرًا للتحولات السكانية والاجتماعية.
فبينما تواصل المدن استقطاب سكان الريف والعائدين من الخارج، يبقى التحدي الأكبر في خلق توازن بين الكلفة والراحة، وبين النمو والتخطيط.